اقرأ باسم ربك الذي خلق، هذه الآية الكريمة التي نزل بها جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأول مرة عندما كان في غار حراء، والتي أجمع المفسرين على أنها أول آية من آيات القرآن الكريم نُزلت على رسول الله صلى الله، وقد أرفقت عادة بالقصة المعروفة لنا جميعاً، عندما طلب جبريل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ فرد عليه الرسول ما أنا بقارئ، فأعاد جبريل الطلب مرة أخرى فرد عليه الرسول ما أنا بقارئ، حتى وإن تكرر الطلب لثالث مرة، فجاء رد النبي صلى الله عليه وسلم بالتأكيد ما أنا بقارئ، ليكمل جبريل الآية الكريمة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق:1]

اقرأ باسم ربك الذي خلق

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق 1: 5]

اقرأ باسم ربك الذي خلق: رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، نبي الهدى والنور والرحمة، كان يحب الزهد والاعتكاف، فكان يتجه إلى غار حراء تاركاً من خلفه متاع الدنيا وغرورها، وخاصة في شهر رمضان المبارك فكان يجلس في الغار يتأمل عظمة الخالق في خلقه سبحانه جل علاه، وفي ذات يوم وهو كعادته يسعى إلى التقرب إلى الله تعالى، فإذا بصوت يناجيه، ويقول له اقرأ فيرد عليه الرسول ما أنا بقارئ، ليعيد عليه الطلب مرة أخرى، ثم أخرى، وهنا يكمل جبريل ببعض من آيات القرآن الكريم.

وفي تلك الآونة فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم شديداً، وذهب إلى زوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وقال لها زملوني زملوني، فزملته زوجته حتى ذهب الفزع من داخله، وغاب الورع عن مسكنه، فروى لها ما حدث معه فطمأنته، وردت عليه قائلة:” كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.

واتجهت السيدة خديجة ومعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان كبير السن، لا يرى بعينيه وقد أصابه العمى، ولكنه كان يكتب من الإنجيل باللغة العربية، فروت له السيدة خديجة ما رواه له رسول الله، فرد ورقة بن نوفل قائلًا :

هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم، فقال ورقة نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا وعودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.

وبعد موت ورقة بن نوفل وانقطع الوحي عن رسول الله لفترة قيل أنها عدة أيام، وبعدها جاء جبريل إلى رسول الله مرة أخرى وهو في الوحي، ونزلت عليه سورة المدثر لتكون أول مبادئ الدعوة الإسلامية والديانة الموحدة.

اقرأ باسم ربك الذي خلق

تفسير عام لبعض آيات من سورة العلق

اقرأ باسم ربك الذي خلق: سورة العلق هي سورة مكية، وهي أول السور القرآنية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين في العام 13 ق م، وعدد آياتها ١٩، والعجيب في الأمر أن الآية بدأت بالقراءة كفعل أمر، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمي، والمجتمع في تلك الآونة ليس له من العلم نصيب ولو كان قليلاً، فلما بدأت الآية الكريمة بالقراءة؟، نزلت هذه السورة لتوضح لنا مبادئ النبوة، فالإنسان ما كان ليدرك ما هو الكتاب، وما هو العلم، وما هي القراءة، ولكن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان واصطفاه عن سائر المخلوقات،” وعلمنا آدم الأسماء كلها”، وخص بها الإنسان، فكانت الآية الثانية من سورة العلق توضح ذلك.

اقرأ وربك الأكرم أي أن الله سبحانه وتعالى كثير الكرم ومتعددة الصفات، وإلى جانب تلك الحقيقة المسلم بها، هناك حقيقة أخرى جاءت تلك الآية لتؤكدها وهي أهمية العلم وضرورة التعلم “علم الإنسان بالقلم”  وكان القلم هي أعمق وأهم أدوات التعلم، وبعدها ذكر المصدر الرئيسي للتعليم هو الله سبحانه وتعالى “علم الإنسان ما لم يعلم” فكان هو مصدر العلم الفريد والوحيد، فدائما ما نبدأ أقوالنا وأفعالنا بذكره، بسم الله الرحمن الرحيم، فالله هو الخالق، هو الأكرم، هو العليم وهو الأعلم.

اقرأ باسم ربك الذي خلق: جاءت بعد ذلك الأحاديث النبوية الشريفة تؤكد على أهمية العلم وضرورة التعلم حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اطلبوا العلم ولو في الصين” وهنا لا يقصد بها الصين كدولة ولكن يقصد وإن كان في آخر البلاد، فالقراءة هي النور، هي الوسيلة الأفضل والأكثر إيجابية في تبادل الثقافة والفنون، هي ما ساعد في نشر الشريعة الإسلامية، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أسري المشركين بتعليم ١٠ من المسلمين، وإن دل ذلك عن شيء إنما يدل على أهمية العلم والقراءة.